ارشيف الذاكرة .. يوم خذلتني قيادة الاشتراكي ودعمتني قواعده
يمنات
أحمد سيف حاشد
استوطنت فكرة البرلمان، و ترسخت في ذهني كل يوم أكثر من سابقه .. كان هذا يجري بالموازاة مع ما أبذله من جهود مضنية في الوصول إلى الناس بطرق متعددة .. أعرفهم بنفسي من خلال زياراتي لأبناء المديرية، و أبناء دائرتي الانتخابية في مناطقهم، و كذا أبناء الدائرة المقيمين في صنعاء و تعز و عدن، و لقاءاتي في فروع الجمعية بأبناء المديرية في عواصم بعض المحافظات، و كذا من خلال ممارسة حضوري في كتاباتي و أنشطتي في الجمعية و الصحيفة، و من خلال نشطائي الذين يساندوني، و يفتحون لي أبواب الوصول إلى أبناء دائرتي الانتخابية؛ و من هؤلاء النشطاء الذين ساعدوني محمد فريد سعيد، و ردمان النماري، و عبده فريد حاشد، و آخرون لا يتسع المقام هنا لذكرهم..
و في إطار هذا المسعى و التهيئة و الاستعداد كنت قد التقيت بالرفيق جار الله عمر و الذي كانت تجمعني به معرفة سابقة، و جميل و معروف اسداه لي من سنين خلت، حالما ساعدني في التفرغ من السلك العسكري للالتحاق بكلية الحقوق في جامعة عدن.
جار الله عمر كان عندما قصدته في مسعاي هذا، يعتبر الرجل الثاني أو الثالث على الأرجح في الهيكل التنظيمي القيادي للحزب الاشتراكي اليمني، و كان برفقتي يومها عضو اللجنة المركزية للحزب عبد الله بشر جازم، و شخص آخر لم أعد أتذكره .. كان اللقاء في منزل جار الله بعد موعد حدده لنا، إثر طلبي اللقاء به..
طلبت من الأستاذ جار الله أن يبذل مسعاه مع الأخ طاهر علي سيف الذي ينتوي الترشح منافسا لي في الدائرة، و كان سندي الأساس و مبرري أن فرص فوزه هذه المرة في الدائرة الانتخابية ضئيلة، رغم أنه سبق و فاز كمستقل، بمقعد الدائرة، ثلاث مرات متوالية مدعوما من الحزب الاشتراكي..
أتذكر أنني طلبت من جار الله للتثبت من صحة تقديري و هو أن يجري الحزب استبيانا ميدانيا في الدائرة الانتخابية التي تجمعني مع الأستاذ طاهر؛ لمعرفة من يكون حظه أوفر في الفوز، و بديت مراهنا على فوزي، بل و استعدادي للعدول عن الترشيح في حال وجدوا إن الأمر لصالحه .. و لكن خلاصة رأي جار الله عمر كان هو الحث أن نتفق أنا و طاهر .. لم يقطع وعدا لأحد، بل أكد على أن يترشح واحدا منّا دون أن يسميه، و زاد في نصحه و تأكيده أن لا نتنافس حتى لا يفشل كلانا..
كان الأستاذ طاهر علي سيف هو منافسي في البحث عن دعم الحزب الاشتراكي في الانتخابات البرلمانية، و يعتبر الأستاذ طاهر برلماني مخضرم، و مشهود له بالكفاءة و الأداء البرلماني الجيد، و يملك علاقات جيدة مع العديد من الأطراف السياسية المختلفة، و لديه علاقات جيدة حتى على المستوى غير السياسي و تحديدا التجاري، و في السياسي هو عنصر جيد و محنك، و يجيد المناورة السياسية و الانتخابية على وجه التحديد، و كان يستهوي البعض وصفه أو تسميته بـ”الثعلب” أو “الثعل” لمهارته و قدرته الفائقة على المناورة..
فيما كنت أنا أفتقر لكل هذا، حيث أنني حديث عهد في خوض غمار السياسة التي لا تخلو من الحبكات و المقالب الانتخابية، و المناورات السياسية، و لا أملك حيلة تلك المناورات، فضلا أنني خجول على نحو كبير، و أعاني من الرهاب الاجتماعي، و بعض الانطواء، و أكثر من هذا و ذاك أنه ليس لدي أي مركز مالي داعم، و لا أملك غير راتبي المتواضع جدا، و الذي أعيش منه بالكاد .. منافسة مختلة و معتلة إلى حد بعيد من حيث المساواة في تكافؤ فرص التنافس مع الأستاذ طاهر.
قدمت استقالتي من القضاء في مطلع 2003 بغرض الترشح للبرلمان .. ألتقيت بسكرتير أول منظمة الحزب في محافظة تعز محمد حمود الحكيمي بتنسيق و موعد مسبق، و كنت على ما أظن بمعية الأخ الصديق و الرفيق الوفي محمد علوان ثابت عضو لجنة محافظة تعز، و كان من المفترض أن يجمعنا اللقاء بالأخ طاهر على سيف، و حضرت إلى المكان و الموعد المقرر، و كانت حجتي الأقوى، هو طلب مسح ميداني في الدائرة، لمعرفة من لديه الفرصة أفضل في الفوز، و على أساس ما يسفر عنه هذا المسح من نتائج يتقرر من منّا يبقى، و من منّا ينسحب لصالح الآخر، و كان يقيني أن فرصتي أقوى و أرجح..
حضرت اللقاء المقرر، و تخلف عنه الأستاذ طاهر، و عندما تم الاتصال به بعد تأخره عن الموعد، أجاب أنه وصل ذمار في طريقه إلى صنعاء .. تذكرت كلمة “ثعلب” و فشل اللقاء و شعرت بالمرارة، و يبدو أن الداعي المستضيف هو الآخر شعر بالخيبة، و أحسست أنه تفهمني، و شعرت بتعاطفه معي، عقب فشل هذا اللقاء..
أكثر من ساندني من قيادة منظمة الحزب في تعز هو الرفيق محمد علوان ثابت عضو لجنة المحافظة .. أذكر في أحد اتصالاته مع أحد قيادي الحزب في صنعاء، سأله هذا القيادي: هل أنت تضمنه؛ فأجابه بحسم و دون تردد: “أضمنه برقبتي”.
عبارة “أضمنه برقبتي” كان لها وقعها الآسر و الاستثنائي على مسامعي .. أحسست أنها تستحق الاستغراق بالوفاء الكبير .. لم أنسها إلى اليوم حتى و إن اختلفت مع صاحبها ذات يوم .. دأبت منذ ذلك اليوم إلى اليوم و أنا أحاول الوفاء بما استطيع نحو حزبه الذي خذلتني يوما قيادته، بل و خذلته هو معي أيضا..
لا أريد أن أخذل هذا الرفيق، الذي أنحاز معي يوما بوعي و قناعة و ثقة، أظن إن تمرده و انحيازه الواعي معي قد كلفه كثيرا، و منها عقوبة حزبية تم اتخاذها ضده، و بهذه العقوبة أحسست بالذنب نحو رفيقي، و أحسست أكثر أنه يستحق الوفاء و الإخلاص المضاعف، لصالح المُثل الكبيرة التي يحملها هو و حزبه، و منها الانحياز للفقراء و المعدمين و عموم الكادحين..
زرتُ بعض قيادة الحزب في مقر الحزب بصنعاء أنا و قريبي عبده فريد حاشد، و أعلنت عن عزمي الترشح لمجلس النواب، و أظن أن بعضهم رحب بي، و رفع معنوياتي، فيما ناور البعض، دون الإفصاح عن القناعة الأكيدة، أو ربما التي لم تتبلور بعد..
ساندني بالتواصل، و محاولات الاقناع، بعض رفاق الحزب القدامى في أكثر من مكان، و أذكر منهم الرفيق أمين المغلس، و يُدعى بـ”أمين تنج”، و كانت تجمعه مع أخي الراحل علي سيف حاشد صداقة حميمية عميقة و صادقة، ترجع إلى ستينات و سبعينات القرن الماضي..
كانت دائرتي الانتخابية مقسومة بين محافظتي تعز و لحج .. في كل واحدة منها سبعة مراكز .. الأعبوس تابعة إداريا لمحافظة تعز و القبيطة صارت إداريا تتبع محافظة لحج .. أقرت منظمتي الحزب في القبيطة و الأعبوس دعمي كمرشح مستقل، و أقرت سكرتارية منظمة الحزب في محافظة لحج هذا القرار، و التي كانت المراكز الانتخابية الأربعة عشر تابعة انتخابيا لها، و تم الرفع به إلى قيادة الحزب في صنعاء..
و لكن قيادة الحزب في صنعاء بدلا من إقرار و دعم هذا القرار القاعدي، بل و المساند بقرار سكرتارية محافظة لحج، انقلبت عليه قيادة الحزب في صنعاء أو بالأحرى بعض من خاطفي القرار في قيادة الحزب، و أقرت ترشيح طاهر علي سيف عن الحزب الاشتراكي اليمني..
طلبني بعض الرفاق إلى “الراهدة” وكانوا قد كلفوا من قيادة الحزب، لإبلاغي بقرار قيادة الحزب، و طلبوا مني افساح المجال للأستاذ طاهر، بل و دعمه أيضا، و لكنني حسمت قراري إثر هذا الاجتماع، و خرجت مباشرة لأبدأ باتخاذ أول الإجراءات القانونية نحو خيار الترشح لعضوية البرلمان و المنافسة الانتخابية.
كنت أتمنى أن يكون قرار قيادة الحزب على الأقل مسببا على نحو منطقي لأحاول تفهمه، غير أن الأمر جاء على نحو “قضي الأمر”، و “رفعت الأقلام و جُفت الصحف”، و بالتالي ما يجب عليّ إلا أن أتقبله بصدر رحب، أو هكذا أرادوني .. شعرت بصعوبة القبول ربما لأنني لست متعودا على الطاعة بالاخضاع، و لا بالأوامر التي لا تريد أن تتفهمني، و لا تقف أمام ما أبديه من أسباب و حيثيات لوجهة نظري التي لا يريدوا الوقوف أمامها..
كان يفترض على قيادة الحزب المعنية بالانتخابات البرلمانية على الأقل أن تحترم قرار قواعدها و قيادتها الوسطية .. كان يفترض أن تجمعنا أنا و طاهر و تسمعنا معا، و تناقش كل منّا، و تحاول أن تتخذ قرارا أثق أنه سيكون صائبا .. الأمر لن يستغرق أكثر من ساعة، و أثق أن القرار سيكون سديدا .. أما إن يتم استصدار القرار خلسة، و محاطا بملابسات عدة، و بطريقة تنم عن إقصاء و فرض، و تقدير يعتريه كثير من أوجه العور و الخلل، ثم يتم فرضه على المعنيين بتنفيذ القرار لمجرد أنه صادر من قيادة الحزب أو بعضها، و في المقابل ترمي رأي منظمتي الحزب في المديرية و المحافظة عرض الحائط،، فذلك لن يحصد إلا الخيبة المريرة، و الفشل الذريع..
إنها بعض من أزمة قيادة، و فجوة أستمرت بالاتساع بين المستوى الأعلى و ما دونه .. إنه بعض الاستفراد بالقرار الأول، أو اختطاف القرارات من قبل بعض أفراد الصف القيادي الأول من أيدي القيادات الحزبية الدنيا و الوسطى .. إنه الاعتلال التي عانت منه أحزابنا الوطنية بصورة عامة، و التي ذهبت بها اليوم بعيدا، ليس فقط مع ما يتصادم مع وثائقها و ادبياتها و تاريخها الوطني الطويل، بل بلغت بها حد الارتهان، و التماهي مع أجندات غير يمنية، لتصل بالنتيجة إلى تهديد وجودها برمته، و تلاشيها و موتها للأبد، إن ظل الحال على ما هو عليه اليوم..
استطاع منافسي الرفيق طاهر أن يستصدر قرارا من قيادة الحزب في صنعاء بترشيحه عن الحزب، و بميزة أنه سينافس انتخابيا باسم الحزب، و تحت شعاره، و هو الذي دُعم من قبل بصفته مرشحا مستقلا ثلاث دورات انتخابية متعاقبة .. فيما أصريتُ أنا رغم كل التجاذبات و مزايا الدعم الحزبي أن لا أكون إلا مرشحا مستقلا، و رفضت أن أكون غير ذلك .. كنت أيضا قد رفضت عرضا آخر و هو أن أترشح عن المؤتمر الشعبي العام .. كان إصراري الأهم هو عدم الترشح باسم أي حزب، و إنما أترشح كمستقل..
و عندما كان الأستاذ طاهر مارا من جوار منزلي في القرية ألتقيت به على نحو سريع، و أذكر أنني أقسمت له لو كان هناك مؤشرات لفوزه أنني سأنسحب لصالحه، و أزعم أن قراءتي للمشهد الانتخابي كانت مقاربة للواقع، فيما يبدو أن رهانه كان على أساس التحالفات السياسية بين الاشتراكي و الإصلاح، و لكن كانت “غلطة الشاطر بعشر” حيث تعرض الاشتراكي في الوقت الحرج لطعنة غادرة في ظهره من حليفه الاصلاح، عندما نكث بما تم الاتفاق عليه..
خلافا لاتفاق الاشتراكي و الاصلاح، رشح الإصلاح د. عبد الودود هزاع، و منافسا لمرشح حليفه الاشتراكي طاهر علي سيف، بعد أن بلغ ظن الإصلاح حد المؤكد إن تنافسي مع طاهر سيؤدي إلى خسارتنا معا، و أنه و حزبه سيكون الرابح، و هو من سيظفر بالفوز الأكيد و المؤكد..
خلال تلك المرحلة لم أفقد الأمل، بل زدتُ إمعانا و إصرارا في المضي على ما أنا فيه مصوبا نظري و جهدي نحو الفوز لا أقل منه، و بما يتفق مع تلك المقولة المشهورة: “أما أنجح أو أنجح” و إذا فقدتني أو فقدت أفرادا من القيادة العليا في الاشتراكي، فهناك متسع للرهان على قواعد الاشتراكي و قيادته في المديرية، و بعض القيادات الوسطى في محافظة لحج و تعز..
الضربات القوية كما قالوا: “تهشم الزجاج لكنّها تصقل الحديد” لم أتراجع و لم أُحبط، بل عملت بتلك المقولة التي تقول: “لا تجعل العوائق تُوقف مسيرتك، إذا واجهت حائطًا، فلا تستدر لتعود خائبًا، عليك أن تُحاول تسلُّقه، أو المرور من خلاله، أو حتى الالتفاف من حوله”. ظل رهاني مُنعقد على قواعد الأحزاب و أولها الاشتراكي، و كنت قد شكلت فريق لحملتي الانتخابية جلهم من الاشتراكي، لم يخذلني منهم غير واحد على الأرجح و بأسلوب لا يليق بحزبه، فيما أوفى معي البقية و دعموني على مرشح حزبهم..
وجدتُ نفسي في دائرتي الانتخابية أخوض منافسة انتخابية مع الحزب ممثلا بمرشحه طاهر على سيف، فيما جل أعضاء و قواعد الحزب و قيادة فريقي الانتخابي المساند، و على رأسهم الراحل الوفي أنور هزاع و الأوفياء محمد علوان ثابت و ردمان العبسي و الخرباش و نعمان و هزاع و عبدالفتاح الجرادي و غيرهم ممن ساندوني و انحازوا معي، و أوفيت معهم بعهد قطعته لهم مكتوبا أنني سأظل مستقلا، و لن أنظم إلى المؤتمر بأي حال، و لازلت إلى اليوم مستقلا و وفيا لعهد قطعته للأوفياء الرائعين، و لم أنظم في أي حزب إلى اليوم رغم مرور كل هذه السنين الطوال، و هذه التبدلات المخيفة في المواضع و المواقف و السياسات..
***
يتبع
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.